سورة آل عمران - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32)} [آل عمران: 3/ 31- 32].
ذكر العلماء عدة أسباب متشابهة لنزول هذه الآية، ولا مانع من تكرار الأسباب، واتحاد الجواب، قال الحسن البصري وابن جريح، زعم أقوام على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنهم يحبون اللّه، فقالوا: يا محمد، إنا نحب ربنا، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
وقال ابن عباس: وقف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على قريش، وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم، وعلّقوا عليها بيض النّعام، وجعلوا في آذانها الشنوف، وهم يسجدون لها، فقال: يا معشر قريش، لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانا على الإسلام، فقالت قريش: يا محمد، إنما نعبد هذه حبا لله، ليقربونا إلى اللّه زلفى.
فأنزل اللّه تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه، {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم.
وقال ابن عباس أيضا: إن اليهود لما قالوا: نحن أبناء اللّه وأحباؤه، أنزل اللّه تعالى هذه الآية، فلما نزلت عرضها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على اليهود، فأبوا أن يقبلوها.
ومضمون الآيتين: قل لهم يا محمد: إن كنتم تحبون اللّه حقيقة، فاتبعوني فإن ما جئت به هو من عند اللّه، والمحب المخلص الصادق حريص على إرضاء المحبوب، وامتثال أمره واجتناب نهيه، فإن اتبعتموني يحببكم اللّه ويوفقكم للخير، ويغفر لكم ذنوبكم، واللّه غفور رحيم.
قل لهم يا محمد: أطيعوا اللّه باتباع كلامه، واتبعوا الرسول باتباع منهجه وسنته، والاهتداء بهديه واقتفاء أثره، فإن تولوا وأعرضوا ولم يجيبوا دعوتك غرورا منهم بدعوى أنهم محبون لله وأنهم أبناؤه، فاعلم أن اللّه لا يحب الكافرين الذين لا يتأملون في آيات اللّه، ولا يهتدون إلى الدين الحق والشرع الحنيف، ومعنى قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} أنه يعذبهم ويعاقبهم على كفرهم بالله وبرسوله، وهذا وعيد وتهديد يستحق التأمل والتعقل.
اصطفاء الأنبياء:
يختار اللّه عز وجلّ أنبياءه ورسله، لما يجده فيهم من مقومات عظيمة ومؤهلات عالية، ولما يراه مناسبا لقومهم، ويلائم عصرهم وزمانهم. وهذا منهج يتبعه القادة والحكام، فإنهم يبعثون الرسل والسفراء إلى أمراء العالم وحكامهم، ويختارونهم اختيارا موفقا يؤدون فيه مهامهم أداء حسنا. غير أنه مع الأسف الشديد يرفض بعض الجهلاء هذا المبدأ العقلي السليم، فهؤلاء المشركون وأهل الكتاب كانوا ينكرون على النبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم نبوته لأنه بشر مثلهم، وليس من بني إسرائيل، فيرد اللّه عليهم: إن اللّه اصطفى آدم أبا البشر ونوحا الأب الثاني، واصطفى من ذريتهما آل إبراهيم، ومن آل إبراهيم آل عمران.
والمشركون الوثنيون يعترفون باصطفاء آدم ونوح وآل إبراهيم، لأنهم من سلالته، وبنو إسرائيل يعترفون بهذا وباصطفاء آل عمران، لأنهم من سلالة (إسرائيل) يعقوب حفيد إبراهيم.
وإذا كان اللّه اصطفى هؤلاء على غيرهم من غير مزية سبقت، فما المانع من اصطفاء محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ذلك على العالمين، كما اصطفى آل عمران على غيرهم.
واصطفى: أي اختار صفو الناس.
لقد أوضح القرآن الكريم سنة اللّه تعالى في اختيار الرسل، فقال:


{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} [آل عمران: 3/ 33- 34].
والمعنى: إن اللّه اختار آدم أبا البشر، فجعله نبيا إلى بنيه، واختار اللّه نوحا وجعله أول رسول بعث إلى الناس لما عبدوا الأوثان، وانتقم اللّه بإغراقهم، ونجاته هو ومن اتبعه. واختار اللّه للنبوة والرسالة آل إبراهيم الخليل، ومنهم سيد البشر وخاتم النبيين محمد. واصطفى اللّه من ذرية إبراهيم آل عمران، وعمران هذا: هو أب مريم وجدّ عيسى عليه السلام.
اختار اللّه هؤلاء وجعلهم صفوة الخلق وخيارهم، وجعل فيهم النبوة والرسالة.
ثم ذكر اللّه تعالى قصة مريم، فكما أنها ولدت من أم عاقر، على خلاف المألوف أو المعهود، وقبلت في خدمة البيت أو هيكل العبادة، بالرغم من أنها أنثى، فلم يستغرب المشركون واليهود أن يرسل اللّه نبيا عربيا ليس من ذرية إسرائيل (يعقوب).
وأم مريم بنت عمران: هي حنة بنت قاذوذ، وقصتها في القرآن هي:


{إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37)} [آل عمران: 3/ 35- 37].
قصة زكريا ويحيى عليهما السلام واصطفاء مريم:
تعجب زكريا عليه السلام من حال مريم البتول القانتة المتفرغة للعبادة، وما يجده عندها من رزق وفير، فدعا ربه أن يرزقه ولدا صالحا من ولد يعقوب عليه السلام، فبشرته الملائكة وهو يصلي في المحراب بيحيى عليه السلام، وهذا ما قصّته علينا الآيات التالية:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8